خالد عثمان السبع
حوّاء ، هي ذلك الكائن الرقيق الذي خلقه البارئ الجليل لآدم، بأبهى صورة وأحسن تقويم ، وجعل حياته تزدان بها هناءً وبهجة ً، وهي ملهمة الشعراء على مرّ الزمان، ورمز النماء ومستودع الحنان وبحر العطاء، ومبعث الإبتسام وعنوان السعادة ، وهي تغريد البلابل وهديل الحمام وخرير الماء ودغدغات النسيم ونفحة المسك وشذى الياسمين، وهي لحن الحياة وقصيدتها الأسرة وشهدها الصافي ونبعها المتدفق بالحلاوة . أنا لا أستطيع أن أتصوّر كيف سيكون حال آدم لو عاش وحيداً على هذه الأرض بلا حوّاء !!! من المؤكّد أنه كان سيهيم على وجهه، فيطوي الوهاد السحيقة حائراً ساهماً منتحباً مخذولاً، وفي النهاية سيكتشف أن باطن الأرض خير له من ظاهرها بدون نصفه الثاني الذي لا غنى له عنه، فيفنى كسيراً بحسراته وزفراته . هكذا كانت حوّاء، بمقامها السامي وجلال قدرها وحضورها الدائم المحبب في قلوب رجالنا منذ فجر الخليقة ، حتى داهمتنا في زمننا هذا، رياح المدنية الغربية الهوجاء بعولمتها المدمّرة وأضوائها البرّاقة الخادعة، التي أخذت تكتسح بلادنا بعصفها الشديد وصريرها المخيف وسحبها القاتمة وطوفانها الجارف ، فاقتلعت، بلا هوادة ، كلّ غرس طيـّـب للمروءة وكلّ نبت أصيل للفضيلة والكرامة. وبالتالي، أصبح السواد الأعظم من أبنائنا وبناتنا، فرائس سهلة ضعيفة لتلك الدعوات المريبة والصرعات الشاذة والمظاهر الزائفة التي يروّج لها أعداؤنا، بخبث وحماس شديدين ، أناء الليل وأطراف النهار, كي نصبح في أيديهم كما العجين أو الزلال أو أقلّ منهما ميوعة وهشاشة .
بصراحة متناهية ، لا أريد أن أخوض اليوم ، في بحر السياسة ومثالياتها وأحابيلها أكثر مما خضت, ولا أريد أن أكون منافقاً أكثر مما بدا لنا المرحوم (صلاح قابيل) في فيلم (الراقصة والسياسي ) !!! ، ما أريده الآن ، بالتحديد، هو إمتاعكم بسرد مشهد عشته في إحدى المنتجعات الرائعة على طريق دمشق - بيروت وسأترك لكم الحكم والتعليق بعد ذلك . ذات يوم ، قبل بضعة اعوام ، كنت قد سرت وئيداً ، أنا وقريب لي ، نحو مقهى سياحي أنيق هناك على الطريق بين دمشق وبيروت ، بقصد الراحة وشرب فنجانين من الشاي أو القهوة ، دلفنا عبر البوابة الرئيسية إلى الداخل، فإذا بالمكان يغصّ بفتيات شابات في عمر الزهور ، جلـّهنّ يرتدين الجينز مع قمصان ملونة ضيقة، تظهر عليها كتابات غربية وصور مثيرة لأشخاص وحيوانات ولعب، وهنّ يجلسن في مجاميع صغيرة حول مناضد مستديرة وكانت تنتصب أمام كلّ واحدة منهن أوعية زجاجية للتدخين التي تعرف بـ(الشيشة)، الفتيات ما برحن يتضاحكن مع بعضهن في حبور وغنج وتباهٍ وهن ينفثن من أفواههن ومناخير أنوفهن دخاناً أسودا، بدت فتياتنا مبتهجات بقرقرة فقاعات الهواء المتصاعد من أسفل أوعيتهن، ذلك الدخان الكثيف أخذ يغطـّي المكان بسحابة قاتمة وغلّفها برائحة نتنة كريهة، إشمأزّت منها نفسي وضاق بها صدري إلى حدّ التقيـّؤ . راودني، في تلك اللحظة، شعور جارف، إستحثني، بقوة، لكسر كلّ تلك الأوعية الزجاجية على رؤوس تلكم الفتيات اللاهيات الغافلات العابثات!!! و لكني عدلت عن ذلك بعدها بلحظات، إذ تخيلت حجم وشكل المصير الأسود الذي ينتظرني لو أني نفذت ما كان يجول بخاطري من نوايا ، فقد أودع في أسوأ سجن ( كاراكون) هنا، وقد ألتقي رفاقاً مشبوهين، مثل (أبو عنتر) وصاحبيه (كحل الليل وأبو كلبجة) الذين إمتعونا في مسلسل (صح النوم) من ثلاثة عقود مضت، أو قد ألاقي هناك شاويشاً صارماً مثل الشاويش (حسين) في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) ، وقد أصادف ( كما صادف سرحان عبد البصيرمن قبل) من يجبرني على نزع قميصي أو بنطالي وقد يعملوا معي (حاجات عجيـيـيـيـيــبة) !!! لكن الحمد لله، كان ذلك، مجرّد كابوس مخيف، أبعدته من ذهني ومن ثمّ ثبت إلى رشدي سريعاً و دت من حيث أتيت مذهولاً حزيناً، لا ألوي على شيء.
إخوتي ، دعونا نتساءل سويّة :
- ما سرّ بروز تلك الظاهرة الشائنة وشيوعها بين النساء العربيات هذه الأيام بهذا الشكل المتنامي؟؟!!
- أهي محاولة منهن لكسر القيود الأجتماعية (البالية) أم لأثبات الذات ، أم هي نوع من أنواع التمرّد اللامبرر والتحدّي غير الموجّه المنفلت الذي لا يعرف أحد عواقبه ولا تداعياته ؟؟!!
- أم هي فهم قاصر من بعضهن ، لمفهوم التحضّر والتمدّن والعولمة ؟؟!!
- أم هي رغبة جامحة من المرأة في منافسة الرجل وقهر سلطانه وإضعاف سطوته ومن ثمّ إخضاعه ؟؟!!
- أين أنوثة المرأة وجاذبيتها ونعومتها ورقتها (التي تغنـّى بها شعراؤنا دهوراً )، وهي تجلس في المقهى واضعة ساقا فوق ساق وتحمل في يدها خرطوما طويلاً في غاية البشاعة، تدسّه في فمها الذي يكون قد صدأ وغزاه العفن ؟؟!!
- ومن هو ذلك الزوج المهيب الذي يرضى أن تشاركه فراشه هكذا زوجة بشعة، كأنها قمامة تفوح منها أصناف عديدة من الروائح الكريهة والجيف؟؟؟، إلاّ إذا كان ذلك الزوج ضعيفاً (طرطوراً)… وبإمتياز!!
- ترى كيف سيكون حال آدم لو شهد معنا هذا العصر ورأى (حوّاءه) الرقيقة الحانية وهي تدخّن الشيشة بكلّ تلك الشراهة والعجرفة وقلة الحياء؟؟؟!!! من المؤكد أنه سيرميها من أعلى قمة جبل (إيفرست) إلى قعر ذلك الوادي السحيق بلا أدنى تردّد!!!
إخوتي، تلك هي تساؤلات ملحة تنتظر من يشفي غليلي بالإجابة عليها، مع خالص الدعاء لقواريرنا الغوالي بدوام التألق والحصافة والصبر على المكاره وبمجالدة الأنفس في عدم تقليد الفرنجة والساكسون بتلك الطريقة المهينة والغبية… وتصبحون على خير، بلا شيشة ولا قرقرة.