ولاء العاني
بعد دراستي لمادة علم النفس في المانيا كان لزاما عليّ ان ادخل مرحلة التطبيق وفي أكثر من مكان. كانت احداها في رياض الأطفال لمدة شهر ومثله في دار رعاية المسنين. لاحظت ان شخصية الطفل تتشكل فعلا منذ وقت مبكر ولم أكن ادركها بهذه الحرفية قبل ذلك.
احدهم كان لا يأكل سوى العسل وآخر يصرخ كل يوم مستغيثا من ألم كاذب في بطنه كي تأتي والدته لتأخذ وغيره يجلب معه العابه وهي حالة استثنائية فهو لديه موافقة خاصة من الإدارة لشدة تعلقه بها وكانت امه تضع عليها علامة لتميزها عن الموجودة في دار الحضانة .
طفلٌ آخر كان عنيفا لدرجة اجبرني على الامساك بتلابيبه ليفهم ان باستطاعتي إيقافه عند حده وهكذا قالوا لي المربيات في المكان فقد كان يضحك كلما رآني ويقول مستهزئاً: انتم مجرد نساء .
حتى طريقة التعامل مع الخطأ مختلفة بين طفل وآخر . كانت الحياة تجري وتضحك وتلعب وتقفز وتشاغب معهم تارة وتعلمهم الدروس في احيان اخرى. يحفظون اغاني العيد ويمتطون حصانا طائراً خشبيا لا يطير ويتسابقون محاولين الحصول على المركز الأول وفي كل مرة يكون الفائز مختلفا عما سبق .. يرسمون اشكال الهدايا التي يحلمون بها على ورق ابيض مثل قلوبهم. وعندما تمطر السماء أو تنثر بياض ثلجها يخرجون فرحين بما منحتهم اياه رغم انها ترميهم بقطراتها المتجمدة التي تشبه النجوم البيضاء المتلألئة.
أما دار المسنين الذين يحيط بهم الموت من كل جانب الا انهم رغم ذلك كانوا مستمتعين بحياتهم ويشاركون في الانشطة كالاخرين وهم بإعمار متفرقة وامراض مختلفة اعجزت بعضهم حتى عن الحركة لكن تبدوا عليهم السعادة مع أن بعضهم أصيب بمرض الزهايمر . مات احدهم أثناء تواجدي هناك . وطلبت من إحدى العاملات ان ارى ذلك الرجل الذي حزن الجميع لأجله. دخلت ورأيته مستلقيا على ظهره لا يختلف بشي عمن نام ساكنا بهدوء .
تذكرت كل هذا الكلام اليوم في لحظة نقل سيدة من غرفة في قسم الطوارئ إلى الانعاش لكنها للاسف فارقت الحياة بعد أن حاولوا معها وكانوا حوالي 6 اشخاص بين طبيب وممرض. هكذا نحن نسير بين خطين مستقيمين نفرح في احدها ونحزن ونضحك ونبكي ونهمل ونزعل ونرضى فلسنا ملائكة وإنما بشر .
وهكذا هي كل الحكايات. بدايات ثم ياتي الموت ليكتب النهايات