يطلق مصطلح "كوميات" على أولئك الذين تعاونوا مع المستعمر الفرنسي في موريتانيا، وعُرفوا بخيانتهم لوطنهم وشعبهم حيث كانوا يعملون كأعوان للجيش الفرنسي وقد حصلوا على امتيازات كبيرة مقابل خدماتهم، مثل التوظيفات العسكرية والإدارية، مما ساهم في فرض هيمنة المستعمر على البلاد.
المفارقة الكبرى تكمن في أن فرنسا كرمت هؤلاء الخونة لما قدموه من مساعدات لها، ولكن التساؤل المطروح: لماذا كرمتهم موريتانيا ومازالت حتى اليوم تكرم أبناءهم وأحفادهم رغم خيانتهم؟ كيف يمكن لدولة تدعي الحفاظ على استقلالها وسيادتها أن تتسامح مع أولئك الذين ساعدوا في تعزيز الاستعمار؟ إن هذا الموضوع يثير تساؤلات حول مستوى الوعي الوطني، وهل وصلنا إلى درجة من الغباء تجعلنا لا نفرق بين الخائن والمخلص.
لقد تكونت الأنظمة السياسية الأولى، بعد الإستقبال، من أبناء هؤلاء المتعاونين مع المستعمر وهو ما يوضح كيف أن الخيانة استمرت عبر الأجيال حتى يومنا هذا فما زال أبناء "كوميات" وأحفادهم يتولون مناصب إدارية عليا في الدولة و قد يتوهم البعض أن هؤلاء الأشخاص لم يصلوا لمناصبهم إلا عن طريق الدراسة والجهد ولكن الحقيقة المرة أنهم استفادوا ومازالوا يستفيدون من تسهيلات خاصة ورثوها أبا عن جد.
أخيرا، تعد ظاهرة توريث السلطات الإدارية في موريتانيا بمثابة امتداد لاستمرار هيمنة "أبناء كوميات" على مؤسسات الدولة، مما يسلط الضوء على مشكلة كبيرة تتمثل في ضعف الذاكرة الوطنية، وعدم قدرة الدولة على التخلص من آثار الاستعمار وتوابعه.
محمد محمود آبيه