البحث عن السلم تحت ظلال الحرب

ثلاثاء, 02/18/2025 - 19:01

 

محمد جواد الميالي

منذ بداية التاريخ، كان الانسان يبحث عن الهيمنة والسيطرة، ومع تطور المدن وظهور الحدود بدأت الحروب ترافق الإنسان في مسيرته، مخلفة وراءها دماراً وخراباً ومعاناة لا حصر لها..                                                                                            مع تأسيس الدولة القومية الحديثة بعد صلح ويستفاليا عام 1648، اتخذت الحروب أبعاداً جديدة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من التنافس بين الدول، رغم تأثيرها الكبير على المجتمعات، والخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها، إلا أنها لم تتوقف، وكأن التاريخ نفسه يروي قصة لعبة شطرنج معقدة، تتناوب فيه الدول على تغيير مواقعها وبناء تحالفاتها، في ظل نظام توازن القوى الذي يتخذ أشكالاً مختلفة وفترات متعددة.

يدعي أتباع كل نظام عالمي انه يريد اشاعة الامن والسلام العالميين، ولكن يبقى السؤال الاهم: من الذي حقق السلام أكثر في النظام العالمي، نظام ثنائي القطبية أو متعدد القطبية أم أحادي القطب؟

منذ تأسيس الدولة القومية بمفهومها الحديث، بدأت أوروبا بتشكيل نفسها بعد معاهدة ويستفاليا 1648، وكان النظام العالمي المهيمن في ذلك الوقت هو التعددية القطبية، التي كانت تهيمن عليها القوى الأوروبية العظمى (فرنسا، النمسا-المجر، بريطانيا، روسيا)، وقد حدثت في ظل هذا النظام العديد من الحروب والصراعات من ابرزها، الحروب النابليونية، حرب القرم والبلقان، وتخللها الصراعات الدينية، ولكن أهم ما حدث هي الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، التي تعتبر أكثر الحروب تدميرا عبر التاريخ، وختامها كان نوويا.. عندما قصفت الولايات المتحدة اليابان بقنابل ذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تم إسقاط القنبلة الأولى على مدينة هيروشيما في 6 أغسطس 1945، تلتها قنبلة ثانية على مدينة ناكازاكي في 9 أغسطس 1945، وترجح الإحصائيات ان الخسائر البشرية جراء الحربين الاولى والثانية بلغ 80 مليون شخص، كذلك خسائر اقتصادية وتدمير هائل للحضارات، ويعود السبب في كثرة الصراعات والحروب، بسبب عدم إستقرار النظام في ظل تعدد الاقطاب، ذلك لأن الدول القوية تكون متغيرة الاحلاف، وتبحث الدول فيها دائما عن مصالح استعمارية، متنافسة على حساب القوى الأخرى، علماً إنتهى نظام متعدد الاقطاب بتاريخ 1945م، والذي استمر زهاء أربع قرون، وبعدها بدأ نظام ثنائي القطبية.

ومع دخول القرن العشرين، اتخذت الأحداث منعطفاً جديداً، فقد تجلت معركة القوى في الصراع الثنائي منذ (1945_1991)، حيث قُسم العالم بين قوتين رئيسيتين، و هيمن على هذا النظام الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية، وقد اتسم بصراع أيديولوجي وحروب بالوكالة، تخللها العديد من الصراعات، لكن وجود نظام ردع نووي ادى الى عدم وجود حرب مباشرة بين القطبين، لكن ذلك لم يمنعهم من نشر الحروب في مناطق نفوذهم ومن ابرزها الحرب الكورية و الفيتنامية وأزمة كوبا والحروب في أمريكا اللاتينية، وأمريكا الوسطى، كذلك الحرب السوفيتية في افغانستان، والصرعات في الغرب الأفريقي، وهذه الفترة عرفت بالحرب الباردة التي تقدر خسائرها البشرية نتيجة الحروب بالوكالة الى 7 مليون انسان بين مدني وعسكري، ولكنها أدت الى انهيارات عظمى في البنى التحتية، ولكن هذا الصراع الثنائي اتسم بالعنصرية ومحاولة نشر الايدلوجية بين الشيوعية والليبرالية، ولم يكن هناك أي مرونة في العلاقات الدولية في ذلك الوقت، والسلام في هذا النظام تمثل في منع قيام حرب كبرى، لكنه في ذات الوقت لم يمنع قيام حروب ثانوية بالوكالة، وبسبب أن الصراع في أصله كان من أجل نشر الايديولوجية، لذلك لم يكن هناك تعاون دولي مما سبب العديد من الانقسامات.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، دخل العالم مرحلة جديدة، الأحادية القطبية، أصبحت دولة واحدة مهيمنة على الساحة الدولية، غير أن هذا لم يأتِ دون تحديات، ففي هذه الحقبة (بعد 1991)، بدأت تظهر تدخلات عسكرية جديدة وحروب عصابات، خاصة في مناطق المشرق والمغرب العربي وأفغانستان والعراق، كما أن آخر الدراسات تشير إلى أن الربيع العربي هو أحد معالم الصراع في ظل النظام احادي القطبية، وكذلك الحرب البيولوجية الحديثة (فايروس ايبولا، كورونا)، والحروب السيبرانية هي نتاج الهيمنة الامريكية، بالإضافة إلى الحروب في منطقة الشرق الأوسط بين اسرائيل وقوى المقاومة، وحروب شرق أوروبا وآخرها روسيا_اوكرانيا، كما أن الصراعات لم تعد تقام على أسس تقليدية، بل أصبحت معقدة وتشمل نزاعات داخلية وانقسامات عرقية وطائفية، وهكذا، تحولت الحرب من كونها معركة بين دول إلى مواجهة بين جماعات داخلية تعكس صراعات متجذرة في الهوية والانتماء، مما زاد خطورة الموقف، وبالتالي فإن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام، أدى إلى خسائر بشرية واقتصادية هائلة، رغم أنها لم تتجاوز الأربعين عام! والسبب في ذلك يعود إلى أنه ليس هناك رادع أمام قرارات أمريكا، التي ترى مصلحتها فوق كل الاعتبارات الانسانية في العالم.

إذن من حقق السلام اكثر؟!

ليس هناك نظام عالمي يحقق السلام،  بسبب الطبيعة البشرية التي تبحث دائما عن السيطرة والكسب المادي ونشر الافكار، لكن هناك نظام ربما هو أقل خطورة على دول العالم الثالث والدول المتوسطة، وحسب ما مر فإن النظام متعدد الاقطاب هو أخطر أنواع الانظمة، وليس مستقر على المدى البعيد، ويثير العديد من الحروب العالمية المباشرة، أما النظام ثنائي القطبية فهو نظام أكثر استقرارا، بسبب مرونة التفاهمات الدبلوماسية بين القطبين العالميين، أما النظام احادي القطبية فهو نظام غير مستقر وينشر الفوضى في العالم، وان بداية الحروب العظمى تبدأ من بحث الدولة احادية القطبية عن الهيمنة الكاملة، مما يخلق دول أخرى تعمل على خلق أحلاف لمواجهتها، وفي ظل هذا التطور في وقتنا الراهن، اعتقد اننا مقبلين على نظام اشبه بتعدد الاقطاب، وهو ما لن ترتضيه الدولة المهيمنة، مما يجعل قيام حرب عالمية ثالثة أمرا محتوم، ومن المرجح ان من سيبدأها.. الصين.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف