الوكفة

أحد, 03/30/2025 - 00:19

 

فائزة الفدعم

استيقظت الوالدة فجراً وكان هذا ديدنها كل خميس . رفعت يدها إلى السماء وقالت يارب صبّحنا وربّحنا وبين عبادك لا تفضحنا . يارب هواك ودفع بلاك . اشرق الصبح نقياً قبل 73 سنة من الأن ، كنت انظر من شناشيل بيتنا الى ( الوگفة ) وهو سوق مفتوح في الهواء الطلق وكان في الجهة الاخرى لنهر خريسان على الشارع الذي يطل علية بيت علي الحسون  .

 

كانت ممتدة من السكلة المجاورة لقهوة جاسم زعيله بقرب دار اليهود وكان أكبر تجمع هو قرب دارنا ودار السيد احمد افندي لان المكان كان فسيحا والقنطرة بالقرب منه وكانت تودي القنطرة إلى شارع يودي الى جامع الشابندر وكان ينزل من الشارع عدد من النسوة معهن بضائع مختلفة حسب الموسم وكل واحدة تجلس القرفصاء أرضا شتاءا وصيفا ومعها بضاعتها وعند عرض البضاعة تفرش خرق بالية تضع معروضاتها عليها من اقفاص للبلابل وبعضها يوجد فيها گطا ( طائر القطا البري ) وبعض الارانب وبالقرب منها بعض المكانس اليدوية الصغيرة والكبيرة وطبگ لوضع الخبز وحصران مصنوعة من سعف النخيل ودجاج وبط وبيضه وحبوب الهرطمان باكوام صغيرة حسب الطلب ويوجد ايضا أكوام من حب الرمان وحب الرقي والبطيخ والباميا المجففة في قلائد وأقراص من الكشك لصنع الشوربة في صباحات الشتاء واللبن الموضوع في كيس من خام الشام يسمى كيس ابو الخراطة وانواع اللوبيا والباقلاء المجففة وورد الجوري لعمل ماء الورد وحب الأس ويسمى حب الياس وياتي رجل من البدو معه بعير او بعيرين في شارع خريسان مقابل بيت علي الحسون وعلى ظهرهما خُرج لحمل البضاعة من الجهتين وكانت البضاعة من الملح واكياس من الزبدة والجبن وقناني زجاجية من حليب النوق والرجل الذي يقود البعير كان يحمل على عاتقه ماء ورد وسبع مايات والتي كانت تستعمل سابقا كعلاج للمعدة ولطرد الغازات ولا تزال تصنع لوقتنا هذا في بهرز وشراب الرمان الذي يصنع منه شربت للضيوف وللدولمة وللمحروك إصبعه ( التشريباية )

 

يبرك البعير مقابل جامع الشابندر وكنت اتحرش به بعصا مربوط بنهايتها مخيط وقد اشتريت العصا بعانة وهي قيمة نقدية تاتي بعد الفلس فكان ان نغزت البعير بخاصرته فاسقط كل ما عليه من بضاعة وصاحبه يقول لوالدي بغضب ( انت مخلف بنية لو جهنم ) وكان والدي دائما هو الخاسر وكتم ضحكته وأسرها في نفسه  . كان البدوي يقوم قبل عبور القنطرة بقراءة سورة الفاتحة للست ( مومنية ) أو ست مؤمنة ولروح الشهيد الملا حسين الذي قتله الإنكليز وعندما كبرنا نذهب بعد وصولنا المتوسطة كنا نقف على قبره يوميا ونقرأ الفاتحة وهذه كانت توجيهات الاهل لانه من الشهداء وبعدها بسنوات تم نقل قبر الست مومنية والشهيد السيد حسين إلى مقبرة الشريف الرضي ولانزال لحد الآن رغم انتقال القبرين إلى مثواهما الاخير نترحم عليهما . 

 

كنا نتمشى بشارع جامع الشابندر يوم الخميس الذي كان حافلاً بمعروضات من ملابس اللنگة وكان أخر شارع اللنگة قريب من دار السيد ناجي نسيمة ومن الطرائف أن امرأة لا أتذكر اسمها كانت تبيع اللنگة يقال انها وجدت في أحد المعاطف ليرات رشادية من الذهب الخالص وبسبب ذلك اعتزلت على حسب قولهم (أصبحت زنگينة) كانت تأتي بعض الغجريات ( الكاوليات ) ويقمن بقراءة الكف والطالع وعمل اسنان ذهبية للفتيات الشابات زيادة بالجمال حسب قولهن وعند اذان الظهر تأتي عربات واحدى السيارات لإعادة النسوة اللاتي أتين من مكان بعيد ، وهذه السيارة لها موعد محدد ومن تتأخر ترجع راجلة على قدميها للقرية .

 

وفي احد الايام طرقت بابنا جارة لنا كنا نعتز بها كثيراً وهمست لوالدتي بأنها تريد الذهاب الى السجن لأن ولدها شيوعي ويريدون ترحيله إلى نگرة السلمان وكان هذا الاتفاق على يوم الخميس القادم وصدف ان سمعتُ مادار بينهما فطلبت منها قبل يوم من زيارة السجن أن تأخذني معها لزيارة السجين لاني اعرفه وكان يعطيني مجلات اتفرج على صورها أو اجلس على دكة الباب من الصبح إلى الظهر . وافقت الوالدة بشرط أن تجلس خالتي بالقرب مني لابقى تحت المراقبة وقالت انتي غير مؤتمنه تسويلج شغله واحنا ماعدنا قابلية وعند الصباح ذهبت الوالدة مبكرة مع الجارة الى السجن ومن فرحتي تناولت الافطار على الدكة . أيضا كانت خالتي تأتي بين الحين والحين الآخر لمراقبتي وإتمام بعض الأعمال المنزلية في تلك الأثناء مرت امرأة غجرية ومعها طفلها وعلى كتفها خرج تضع فيه مقتنياتها فانفردت بي وكنت وحيدة وقالت لي انت حلوة اخليلج سن ذهب حتى تصيرين بعد احلى ؟ فرحت بهذه الفكرة وقلت لها أي عدنا فلوس هواية وكان والدي يضع بعض النقود في السرداب حيث ينام ظهرا لانه بارد وقلت لها انتظري لاحظر لك النقود فانتبهت الخاله لدخولي إلى السرداب وظلت تراقبني وبعد خروجي وبيدي النقود تسللت خلسة ورائي إلى باب الدار ومن وراء الستارة شاهدتني وانا اهم بإعطائها إلى الغجرية فمدت يدها ممسكة بيدي وأخذت النقود وعاتبت المرأة فرحلت مسرعة وقالت الخالة والله العظيم سأطلب من والدك صناعة قفص من حديد لاضعك فيه  (عفيه بنية متملين )

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف