لماذا تختفي الزعامات الكلاسيكية في العالم العربي؟

أربعاء, 12/03/2025 - 06:58

 

‏محمد النصراوي

‏يبدو المشهد السياسي في العالم العربي اليوم كأنه مسرح كبير فقد نجومه القدامى، وبات يعتمد على وجوه جديدة لا تزال تبحث عن دورها الحقيقي.

‏فكرة "الزعيم" التي كانت يوماً ما مركز الثقل في الوعي السياسي العربي، تتآكل تدريجياً، فيما تتقدم بدائل هشة، بعضها إداري، وبعضها شعبوي يعتمد على تأثير اللحظة أكثر من مشروع الدولة، لماذا تختفي الزعامات الكلاسيكية؟ وكيف تحولت المنطقة إلى فضاء بلا أبطال؟

‏تاريخياً، كان الزعيم العربي نتاج مرحلة صعود الدولة القومية بعد الاستقلال، كانت الظروف مهيأة لظهور شخصيات كاريزمية تستند إلى مشروع واضح:

‏تحرير، تحديث، أو حتى بناء جهاز دولة قوي.

‏لكن هذا النموذج بدأ يتشقق منذ التسعينيات، ومعه تراجعت قدرة القائد الفرد على لعب دوره التقليدي، انهيار الاقتصادات الريعية، وتراجع مركزية الدولة، وتوسع الطبقات المتعلمة، وصعود الإعلام المفتوح، كلها عوامل حطمت هالة الزعيم ودفعت الناس إلى البحث عن بدائل أكثر عملية.

‏غير أن التحول الحاسم جاء مع موجة التكنولوجيا التي جعلت كل فرد منصة إعلامية بحد ذاته، منصات التواصل غيرت معنى القيادة، في الزمن السابق، كان الزعيم هو من يملك المنبر الوحيد ويحدد إيقاع الخطاب الوطني، أما اليوم، فقد خرج المنبر من يد الدولة، والناس لا تكتفي بالاستماع، بل تشارك في صناعة القصة، هذا التغيير البنيوي ألغى القدرة التقليدية للزعامة على التحكم بخيال الشعب، وأدخل المنطقة في عصر "التشظي السياسي"، حيث تحل روايات صغيرة ومتغيرة محل الروايات الكبرى التي كان الزعيم يصوغها.

‏من جهة أخرى، تعيش بعض الدول العربية حالة انتقالية قاسية بين نموذجين:

‏نموذج الدولة المركزية القوية التي انهارت أو ضعفت، ونموذج الدولة الحديثة التي لم تُبنَ بعد بشكل كامل.

‏هذا الفراغ يمنع نشوء قيادة كبيرة لأن البيئة نفسها لا تسمح بظهور مشروع واضح، فالزعامة ليست مجرد شخصية قوية، بل إطار سياسي واجتماعي يتيح لها أن تتشكل، وعندما يغيب الإطار، يصبح أي قائد مجرد مدير للأزمة، لا صانع للتاريخ.

‏كما أن الشارع العربي لم يعد يثق بسهولة، التجارب المريرة مع الكثير من الأنظمة جعلت المجتمعات أكثر حذراً، وأشد ميلاً إلى الشك، لذلك، حتى عندما تظهر شخصيات ذات حضور، يتم التعامل معها بشك أكبر مما كان يحصل قبل عقود، الثقة الشعبية أصبحت عملة نادرة، ولا يمكن لأي زعيم أن يصنع مجده من دونها.

‏في الوقت نفسه، تبرز ظاهرة موازية، الا وهي صعود "القائد المؤقت"، نعني بذلك الشخصيات التي تتصدر المشهد لفترة قصيرة بدعم إعلامي كبير أو موجة شعبية طارئة، لكنها تختفي سريعاً لأنها لا تمتلك عمقاً مؤسساتياً أو مشروعاً طويل الأجل، أصبحت المنطقة الآن تعج بقيادات لحظية، بعضها نجم منصات، وبعضها قيادات إدارية، لكنها جميعاً تفتقر إلى مقومات الزعامة المستدامة.

‏التحولات الإقليمية لعبت دوراً أيضاً، دخول القوى الخارجية على خطوط السياسة الداخلية وتعدد مراكز النفوذ، خلقا بيئةً لا تمنح شخصاً واحداً القدرة على الإمساك بخيوط اللعبة كاملة، فالزعيم الذي يريد أن ينهض يحتاج القدرة على صياغة سياسة خارجية مستقلة، وهذا الأمر أضحى أصعب من أي وقت مضى.

‏ورغم هذا المشهد المعقد، لا يمكن القول إن المنطقة ستظل بلا زعاماتٍ إلى الأبد، التاريخ لا يعرف الفراغ، لكن الزعيم القادم إن ظهر، لن يشبه زعماء الماضي، سيحتاج إلى لغة جديدة، وإلى شرعية تقوم على الكفاءة والإنجاز لا على الإرث أو الكاريزما فقط، سيكون عليه أن يتعامل مع شعوب تعرف أكثر مما عرفته سابقاً، وتراقب أكثر وتحاسب أكثر.

‏اذن، لا ينبغي لنا ان نسأل لماذا يختفي الزعماء؟ بل أي نوع من الزعامات تستعد المنطقة لاستقباله؟ الجواب ما زال قيد التشكل، لكن المؤكد أن القرن الحادي والعشرين لن يعيد إنتاج القرن العشرين، وأن القيادة القادمة ستكون نتاج عصر مختلف، بظروف مختلفة وجمهور مختلف ورهانات أكبر مما عرفته المنطقة من قبل.

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف