ثمة مشكلة كأنها الباب لبقية المشكلات، تبدأ من شخصنة وتنهتي بالإرهاب، وكأن الوطن فريسة يتقاسمه الغرماء والنقضاء لأطعام الغرباء، وتحقيق غايات ظاهرها إدعاء الخدمة الوطنية، والنتيجة استحواذ على المال العام بلا خجل ولا وجل.
كلهم يشكون الفساد، وكلنا نشعر بنتائجه، ونشم رائحته سوء خدمات ودماء، ولا إتفاق على آفة تنخر أجساد جميعنا.
لا يخفى على أحد تفشي الفساد في إدارة الدولة، وتنامت محفزاته من أعلى الهرم نزولاً للمواطن، الذي يلوم من وصل للسلطة ولم يُثرى والمال والجاه بيده، وله قدرة في مخالفة القانون او صياغته وإقناع من حوله بأن عمله وأن أفسد فهو للصالح العام، وكأن بعضهم يقول ليعمل المشروع وأن سرق نصفه، ويعتبره شرعياً وقانونياً، ويقول أفضل من ذاك الذي عطل المشروع، والسارق أفضل لنا من الروتيني المعقد.
تشكلت هيئات وتفرعت سلطات رقابية متعددة المسميات، متفقة ومتقاطعة والفساد هو الفساد وأكثر، من مفتش عام الى هيئة نزاهة ورقابة مالية والبرلمان وهيئة نزاهته والقائمة تطول، الى الكاميرات في المؤسسات لتصل الحمامات، والفساد هو الفساد وأكثر، وزاد عدد العاملين على زيادة كمه، بل وسائل الرقابة أصبحت هي مفسد جديد يضاف للقائمة.
إن البحث عن الفساد وشن حملات تقليدية، لا تجدي نفعاً وهو متفرعن متفنن له أساليبه الخاصة، وأدواته سلطة ومال وعشيرة أحياناً وجناح عسكري، مع غياب قوانين تقضي على الروتين القاتل والحلقات الزائدة، التي تُسمى بأسم الرقابة، وإذا بها أدوات أبتزازية وإضافة نوعية للفساد، الى درجة التعين في بعضها بالرشوة.
لا يمكن القضاء على الفساد بجمع الملفات، للأطاحة السياسية او الأبتزاز، ومنهم من يملك الأدوات التي تطيح بالمشتكي أن كان مواطناً.
الفساد مرض والوقاية فيه خير من العلاج، وقبل البحث عن الفاسدين لابد من سن قوانين وإيجاد وسائل تمنع وصول المال الى الأيادي السوداء، او تتركه سائباً ليكون لقمة سائغة ووسيلة إغراء، وبنفس الوقت بحاجة الى برامج إعلامية تكفلها كل المؤسسات الحكومية والإجتماعية، لتوعية المواطنين على أن سرقة المال العام، سرقة من 35 مليون، وعلى الناس نبذ الذي يُثرى من المال العام، سواء كان في القطاع العام أو الخاص، والثاني لا يقل خطورة عن الأول وفي بعضه قاتل ببضاعة فاسدة، وأنا لا أطالب بالعفو عن من أفسد، بل أن نجد طرق لا تسمح لأحد يمد يده على المال العام والخاص، ولكنني أتوقف وأقول أن أفسد الفاسدين؛ أولئك الّذين يطالبون بالعفو عن الفاسدين، او من يتركوا أحد يفسد، لغرض جعلها ملفات للمقايضة السياسية.
واثق الجابري