عكست نتائج التصويت على مشروع قرار تقدمت به السعودية للأمم المتحدة لإدانة انتهاكات إيران ضد حقوق الإنسان، تراجع التأييد العربي لسياسات المملكة الخارجية، فبالرغم من موافقة أغلبية اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار، إلا أن 10 دول عربية امتنعت عن التصويت لصالح مشروع القرار بينما عارضته 4 دول عربية أخرى.
وحسب التقارير الصحفية، فقد عارضت القرار كل من سلطنة عمان، ولبنان، والعراق، وسوريا، فيما امتنعت عن التصويت كل من مصر، والكويت، والأردن، والجزائر، والمغرب، وتونس، وقطر، والسودان، وليبيا، والصومال، بينما لم يصوت لصالح القرار من الدول العربية سوى الإمارات والبحرين واليمن. وحاز مشروع القرار موافقة 83 دولة داخل الأمم المتحدة مقابل 30 صوتا معارضا وامتناع 68 عضوا عن التصويت.
واتهم مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي -الذي تعامل باستعلاء مع مندوبي الدول العربية قبيل التصويت- إيران بممارسة انتهاكات خطيرة لحقوق العرب الأحواز، والعمل على تهجيرهم من مناطق إقامتهم، فضلا عن تحويل مجاري الأنهار بعيداً عن مناطقهم بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية، مشيرا إلى استمرار السلطات الإيرانية في منع إقامة المراكز الثقافية العربية في تلك المنطقة .
حالة فوضوية
وتعليقا على هذا الموضوع ، قال الدكتور ماجد الأنصاري، إن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في هذه المرحلة اتسمت بحالة من الفوضوية في تبني وطرح المبادرات بالمنطقة، بداية من حربها على اليمن ثم حصار قطر، وبعد ذلك لبنان. وأكد الأنصاري للشرق أن الرياض فقدت توازنها بسبب استخدامها أساليب غير مقبولة، حيث إنها استخدمت أساليب الابتزاز السياسي، والضغط على الدول الصغيرة والأقل قدرة من الناحية المالية بغرض دعم مؤامراتها في المنطقة.
وأوضح أن السعودية فقدت قدرتها على الإقناع وقيادة المنطقة العربية، وهو ما ظهر في التصويت على القرار السعودي في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الممارسات الإيرانية، حيث امتنعت 10 دول عربية عن التصويت، وعارضته 4 دول أخرى، وربما لو جاء هذا القرار قبل الأزمات التي خلقتها السعودية لكانت قد وجدت بعض الآذان المصغية لها، ولكن للأسف تصرفاتها في المنطقة أساءت لها ولدورها.
ابتزاز سياسي
وأشار الأنصاري إلى أن الكثير من العالم العربي يقف ضد تدخلات إيران في المنطقة، ولكن هذه الدول اكتشفت أن سياسة المملكة الحالية لن تحل المشاكل، وبالتالي فإن أي دعم للرياض سيعود على تلك الدول بالسلب، وهو ما أدركته جليا تلك الدول. وعلى هذا الأساس فلا توجد رغبة لمجاملة المملكة العربية السعودية سياسيا، لأنها لا تقابل هذه الحالة إلا بمزيد من الابتزاز السياسي.
وأكد أن ما حدث انعكاس طبيعي لسياسة المملكة العربية السعودية في المنطقة، مشيرا إلى أنه طالما تتعامل الرياض بمنطق انتهاك سيادة الدول، فإنها لا يمكن أن تتوقع أن تجد استجابة من محيطها العربي.
وأضاف أن التحالف الرباعي الذي تشكل ضد قطر كان من المعروف أنه لن يطول وجوده، لأنه مبني على قضية واحدة، وليس على أساس استراتيجي صلب، وبالتالي فنتيجة تفككه أمر طبيعي، منوها إلى أن النظام المصري يحاول الاستفادة من كل الأطراف دون أن يكون هناك أية عواقب وتبعات عليه، وهذه ليست المرة الأولى التي يخالف فيها النظام المصري رؤية المملكة العربية السعودية، وهذا له معنى أن المملكة تخشى فقدان باقي حلفائها بعد تساقط حلفائها التقليديين في المنطقة.
موقف أوروبي مناهض
وألمح الأنصاري إلى أن المواقف السعودية لا تجد قبولا كذلك لدى الاتحاد الأوروبي، وما شاهدناه من تصريحات لوزير الخارجية الألماني يؤكد حقيقة ما يجري، مشيرا إلى أن ألمانيا تعلم تكلفة المغامرات وعدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يستمر الدور الأوروبي المقاوم لسياسات المملكة العربية السعودية في المنطقة.
وقال إن النظام السعودي يخسر كثيرا في الداخل والخارج بسبب ممارساته وسياساته، مشيرا إلى أن هناك ضرورة ماسة للبحث عن الاستقرار والهدوء في منطقة الخليج، ولكن ذلك يتطلب من السعودية أن تعود إلى سياساتها التقليدية الهادئة، والتحلي بالمواقف السياسية الواعية.
وترى تقارير صحفية أن أزمة الخليج ومحاولة السعودية فرض شروطها على قطر وغيرها من الدول، علاوة على خذلانها في التصويت لصالح مشروعها بالجمعية العامة، تكشف أن السعودية لا تملك القدرة على تحمل الأزمات وبأنها لا تملك الحق بأن تصبح زعيمة للمنطقة. كما تكشف الأزمة وفق محللين أن الاعتماد على دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يفيد المملكة العربية السعودية في محاولاتها لفرض إرادتها وسياساتها على باقي الدول العربية.
خسارة الحلفاء
ويؤكد المحللون أن الرياض تخسر يوميا حليفا لها في المنطقة بسبب سياساتها الرعناء في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرها من الدول، كما تتعمد فتح خلافات جديدة في محيطها الخليجي خاصة مع قطر، وربما بعض الدول الخليجية الأخرى مستقبلا، وبشكل عام أحدثت تدخلات السعودية في العالم العربي تصدعات عميقة يصعب علاجها في المستقبل القريب.