على الرغم من عودة الهدوء تدريجيا إلى الساحة التونسية عقب موجة عاتية من الاحتجاجات العارمة بسبب غلاء المعيشة، يترقب خبراء ومتابعون أن تشهد تونس في الفترة القادمة موجة جديدة من الاحتجاجات بسبب زيادات متوقعة في الأسعار ستزيد إنهاك القوة الشرائية للمواطنين.
وعاشت البلاد الأيام الماضية حالة من الاحتقان جراء تنظيم مسيرات واحتجاجات سلمية في عديد المناطق، سرعان ما رافقتها أعمال شغب وتخريب تمت السيطرة عليها أمنيا، ومع ذلك تواصلت مسيرات متفرقة لحملة “فاش تستنوا؟” (ماذا تنتظرون؟) المطالبة بإسقاط الموازنة الجديدة.
الطالبة الناشطة في الحملة زينب بن أحمد تقول للجزيرة نت إنه يجري التحضير لتنظيم احتجاج شعبي الجمعة المقبل أمام مبنى البرلمان بالعاصمة، للمطالبة بإبطال موازنة 2018 التي لا تخدم مصلحة المواطنين وإنما تزيد تفقيرهم وتجويعهم، وفق تعبيرها.
زيادات عشوائية
تؤكد هذه الطالبة أن الأوضاع المعيشية في تونس أصبحت “لا تطاق” بعد مرور سبع سنوات على الثورة، فرغم اكتساب هامش من الحريات بقيت مطامح الشباب في التشغيل والتنمية معطلة، في حين زاد الغلاء في تدهور القوة الشرائية وتلاشي الطبقة الوسطى وارتفاع نسبة الفقر.
ومع بدء السنة الجديدة، أقرت الحكومة التونسية زيادة في أسعار المحروقات، وبدأت العمل بقانون المالية الجديد المتضمن زيادات في ضريبة القيمة المضافة وضريبة أخرى على الاستهلاك وضرائب الشركات والرسوم الجمركية، إضافة لاقتطاع 1% من الرواتب.
وبالنظر إلى تحرير أسعار 85% من السلع والمنتجات وضعف رقابة الدولة على مسالك التوزيع، استغل العديد من المحتكرين الصخب المتداول حول ارتفاع الأسعار والزيادات العشوائية في السلع الفلاحية وغير الفلاحية، مما أدى إلى انفلات الأسعار وارتفاع التضخم.
ارتفاع المحروقات
وبشأن أسباب التهاب الأسعار، يقول الاقتصادي عز الدين سعيدان إن الموازنة الجديدة لم تكن السبب المباشر في الأزمة، موضحا أن رفع أسعار المحروقات يستند إلى آلية تعديل تعتمدها الحكومة كل ثلاثة أشهر للزيادة في سعر البنزين والغاز كلما ارتفعت أسعارها عالميا.
وستستمر الزيادات في أسعار المحروقات في الفترة القادمة بالنظر إلى اعتماد الحكومة في تقديراتها لموازنة العام الجاري على شراء برميل النفط بسعر 54 دولارا، في حين قفزت الأسعار العالمية لتقارب سبعين دولارا. ويقول سعيدان إن هذه الزيادة “ستؤثر على بقية الأسعار نظرا لارتباط سعر المحروقات بكلفة الإنتاج”.
ويضيف الاقتصادي التونسي أن ارتفاع المحروقات من الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار بتونس، ناهيك عن تدهور قيمة الدينار، وتحرير أسعار أغلب السلع الاستهلاكية، واستغلال العديد من التجار ضعف جهاز الرقابة الاقتصادية لزيادة الأسعار، وهو ما أنهك الطاقة الشرائية للمستهلك.
ويقدر عز الدين سعيدان تراجع القوة الشرائية للتونسيين منذ اندلاع الثورة قبل سبع سنوات بنسبة 25%، متوقعا أن يرتفع التضخم في الربع الأول من العام الجاري إلى 8%، ويقول إن هذا الأمر “قد يجعل البلاد تعيش حالة من الاحتقان والاحتجاجات في ظل معضلة الغلاء المستمر”.
غلاء مستورد
ويرى الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن موازنة العام 2018 أسهمت في ارتفاع الأسعار لكنها “ليست السبب الأصلي”، موضحا أن الأزمة تعزى إلى تطبيق البنك المركزي التونسي مبدأ حيادية سوق الصرف، والسماح بتعويم الدينار، وهو ما أضعف قيمته مقابل العملات الصعبة.
ويقول الشكندالي إن “ارتفاع الأسعار سببه تراجع قيمة الدينار”، مشيرا إلى أن تونس أصبحت تعاني من ظاهرة “الغلاء المستورد” نتيجة استيراد مواد التجهيز والمواد الأولية بالعملة الصعبة وبأسعار باهظة، وهو ما تسبب مباشرة في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في السوق الداخلية.
ويضيف المتحدث نفسه أن “لهيب الأسعار” بداية العام الجاري ليس سوى “مقدمة” تنتظر التونسيين، إذ ستنعكس زيادة أسعار المحروقات على أسعار وسائل النقل والسلع وغيرها في الفترة المقبلة، إضافة إلى اقتطاع 1% من رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص بداية من نهاية الشهر الحالي.
ويرى الشكندالي أن الأوضاع الاجتماعية ستظل محتقنة رغم إقرار الحكومة التونسية بعض الإجراءات لفائدة العائلات الفقيرة والعاطلين، متوقعا أن يزيد قانون الموازنة الجديد في ظاهرة التهرب الضريبي وتراجع موارد الدولة.
وكانت حكومة يوسف الشاهد أعلنت مؤخرا عن توفير دخل أدنى ثابت لكل عائلة فقيرة، وزيادة المنح المقدمة للعائلات المعوزة، ومضاعفة منحة الأطفال المعوقين من العائلات الفقيرة، ومساعدة محدودي الدخل على اقتناء مسكن لائق، وتوسيع التغطية الصحية لتشمل العاطلين الذين يبلغ عددهم نحو 620 ألفا.
المصدر/ الجزيرة – خميس بن بريك