مسارعة احمد عسيري المتحدث باسم التحالف في اليمن ،وخالد يماني مندوب حكومة هادي في الأمم المتحدة، للتعليق وانتقاد تصريحات فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الذي اعلن فيها رفض الأمم المتحدة تولي الإشراف على ميناء الحديدة، تنفيذاً للطلب الذي قدمه التحالف أخيراً، تكشف عن الضربة القوية التي تلقتها السعودية وحلفائها من المنظمة الدولية، خاصة انها عمليا تعد اجهاضا للخيار البديل الذي لجأ اليه التحالف للسيطرة غير المباشرة على ميناء الحديدة عبر بوابة الاشراف الاممي بعد ظهور العقبة الروسية امام خيار اسقاط الحديدة عسكريا.
-عبرت تصريحات الرجلين عن حجم الاستياء الكبير من السعودية وحلفائها ازاء الرفض الاممي، حيث اتهم خالد يماني في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط، الأمم المتحدة بعدم القيام بدورها الحقيقي والتهرب من المسؤولية الملقاة عليها بل واعتبرها تجاهلا صريحاً للقانون الإنساني الدولي، في حين قال احمد عسيري لقناة الجزيرة، ان الأمم المتحدة لا تحمي نفسها، نافيا ان يكونوا قد طلبوا منها حماية الميناء، وهو اتهام ضمني للمنظمة الدولية بالعجز والفشل، رغم انها من الناحية العملية قادرة على القيام بمثل هذه المهمة خاصة مع قيامها بمهام تتجاوز الاشراف على المساعدات الإنسانية الى مهام ذات طبيعة امنية وعسكرية عبر قوات دولية تابعة لها منتشرة كقوات حفظ سلام دولية في عدد من مناطق العالم منذ عقود كما هو الحال بالنسبة للقوات الاممية في الجولان وسيناء وجنوب لبنان ودارفور وفي المنطقة الحدودية بين ارتيريا واثيوبيا وكوسوفو وغيرها.
– لاشك ان الموقف الاممي مثير للاستغراب لسببين رئيسيين هما:
– الأول :ان الموقف الاممي السابق لا ينسجم مع الميل الواضح الذي ابداه الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والذي اظهره خلال زيارته للسعودية في أولى جولاته العالمية عقب توليه منصبه، إضافة الى ما ابداه من انحياز الى إسرائيل قبل أيام عندما طالب ريما خلف، المديرة التنفيذية للإسكوا سحب التقرير الذي أصدرته حول ممارسة إسرائيل نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، ما دفع خلف للاستقالة من منصبها، وكل ذلك اعطى انطباعا ان غوتيرتش سيتجاوز قلق سلفه بان كي مون، وسيكون اكثر انبطاحا امام ضغوط ومغريات القوى الفاعلة وتأثيرها في مواقفه من القضايا المثارة امام المنظمة الدولية.
– اما الامر الثاني فيتعلق بوجود آلية سابقة اقترحتها الأمم المتحدة بشأن الاشراف على دخول المساعدات الأممية الى الحديدة، ورفضها التحالف في حينه ومارس ضغوطه لنقلها الى ميناء جيبوتي -وهو ما تم- ومن ثم كان الامر المتوقع ان تتخذ الأمم المتحدة من تلك الالية خيارا وسطا للتعامل مع الطلب السعودي.
– اعتقد جازما ان موقف الأمم المتحدة الذي كشف عنه فرحان حق، هو موقف قابل للتعديل في اقرب وقت، ويبدو انه اقرب الى الابتزاز ومحاولة لرفع الثمن المطلوب من السعودية لكبار مسئولي المنظمة الأممية أكثر من كونه اهتماما بالوضع الإنساني المأساوي، ولعل ما يشير الى صحة ذلك نقل مراسل قناة العربية في نيويورك طلال الحاج، عن فرحان حق نفيه صدور تصريح منه، لافتا الى إنه قال إن الأمم المتحدة قلقة حيال الطلب الذي تقدم به التحالف ولم يصرح برفض الأمم المتحدة للطلب .
– هذا الكلام يظهر ان الرياض امامها خياران، اما مواصلة محاولاتها لدى امين عام الأمم المتحدة ومساعديه لإعادة النظر في موقفهم ،وهذا سيتطلب دفع مزيد من الأموال والاغراءات، أو العودة مجددا للتركيز على خيار الاسقاط العسكري، والذي يحتاج الى التفاهم أولا مع الجانب الروسي ،وهذا يستوجب ايضا تقديم اغراءات وتنازلات لموسكو خاصة فيما يتعلق بالوضع في سوريا.
– كل ذلك يظهر ان السعودية تتعرض لأكبر عملية ابتزاز في تاريخها من العديد من الأطراف في الملفات الرئيسية خاصة ملفات اليمن، سوريا ،ايران، والإرهاب ، ويبدو ان الاستثمارات السعودية الضخمة التي اعلن الاتفاق بشأنها بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي ترامب الأسبوع الماضي، والتي بلغت 200 مليار دولار خلال اربع سنوات، قد اثارت شهية مختلف الأطراف التي لها علاقة بصراعات السعودية في المنطقة، ومثلت حافزا لكل طرف لرفع سقف مطالبه وطموحاته للحصول على مكاسب ومزايا اكبر مما كان في السابق من القيادة السعودية مقابل القيام بالأدوار المطلوبة منهم في تلك الملفات، و لاشك ان ذلك سيزيد من الكلفة السعودية الاجمالية نتيجة مغامرات بن سلمان لتحقيق أهدافه الشخصية اكثر من كونها تعبر عن استراتيجية سعودية متكاملة معدة بعناية، والتي سيكون ضحيتها في الأول والأخير المواطن السعودي والاستقرار في المملكة مستقبلا.
بقلم : عبدالعزيز ظافر معاد