لم تكن سنة 2017 عادية بالنسبة لموريتانيا، فقد شهدت توترا سياسيا وتجاذبا غير مسبوق بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومعارضيه، وفيها البلاد أيضا هزات مربكة.
وتعود السخونة السياسية التي شهدتها السنة، لإصرار الرئيس محمد ولد عبد العزيز على تنفيذ أجندة الحوار السياسي الذي نظمته حكومته في أكتوبر 2016 بين أغلبيته وأطراف من معارضة الوسط، وقاطعت المعارضة المتشددة تلك الأجندة واعتبرت الحوار ينظمه الرئيس على مقاسه لتهيئة بقائه في السلطة بعد انتهاء ولايتيه منتصف عام 2019 طبقا للدستور.
وبينما كان الرئيس يعتقد أن الطريق سيكون سالكا أمام تعديلاته، فوجئ بتصـــويت مـــــوالاته في غــرفــة الشيوخ ضد التعديلات في جلسة 17 مارس الماضي، وهنا انجرفت الأمور نحو تطورات أخرى.
فقد هاجم الرئيس مناوئيه من أعضاء مجلس الشيوخ وأعلن تفعيله للمادة (38) من الدستور لتنظيم استفتاء شعبي حول تعديلات دستورية.
ورفضت المعارضة تفعيل الرئيس للمادة وأكدت أن الدستور لا يمكن مراجعته خارج أحكام الباب الحادي عشر بمواده 99 و100 و101.
فيما اعتبرت المعارضة أن قضية التعديل سقطت دستوريا بعد أن رفضها مجلس الشيوخ فدعا الرئيس لاستفتاء شعبي نظم في الخامس اب/أغسطس الماضي وقاطعته المعارضة.
واستمر التجاذب على أشده، بين النظام والمعارضة حول نتائج الاستفتاء؛ فبينما اعتبر النظام أن نتائج الاستفتاء كانت لصالحه بعد فوز «نعم» بـ 85،70 في المئة و«لا» بـ 9،95 في المئة، أكدت المعارضة أنها مزورة وأن الشعب قاطع الاستفتاء.
ورغم احتجاجات المعارضة، تابع الرئيس تنفيذ تعديلاته الدستورية؛ فأصدرت الحكومة قوانين تلغي مجلس الشيوخ وتحول البرلمان إلى غرفة واحدة، وتغير العلم والنشيد الوطنيين وأوراق وقيم العملة الوطنية «الأوقية» ابتداء من يناير 2018
وتؤسس مجالس جهوية، لينقسم المشهد السياسي اليوم إلى مجموعتين، مجموعة الرئيس مع أغلبيته وأنصاره الذين يعتبرون أنهم أجروا إصلاحات سياسية تاريخية، والمعارضة ومعها الشيوخ المتمردون الذين يؤكدون عدم دستورية جميع ما قام به الرئيس وحكومته والبرلمان.
لم تنته الأمور عند هذا الحد، بل أخذت مجرى تصعيديا آخر، حيث أعلنت النيابة العامة أواخر أغسطس الماضي عن عملية ارتكاب جرائم فساد عابرة للحدود، تورط فيها ثلاثة وعشرون شخصية موريتانية معارضة.
واعتقلت الشرطة في هذا الإطار السناتور محمد ولد غده ووضعت ثلاثة عشر شيخا ومجموعة من الصحافيين والنقابيين تحت الرقابة القضائية وأصدرت مذكرات توقيف دولية ضد رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو ومدير أعماله محمد ولد الدباغ المتهمين بتقديم رشا لأعضاء مجلس الشيوخ الذين صوتوا ضد تعديل الدستور.
وانشغل الرأي العام خلال السنة بتحقيقات نشرتها صحف محلية وعرضتها منظمة «شاربا» الفرنسية غير الحكومية، حول الفساد المالي في موريتانيا وخاصة على مستوى شركة الاستيراد والتصدير وصيانة الطرق والإذاعة الوطنية التي عزل مديرها عبد الله حرمة الله بتهمة الفساد.
غير أن ما شغل الناس أكثر خلال السنة، هو قضية المدون محمد الشيخ امخيطير المتهم بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد استمرت تظاهرات مناصري الرسول المطالبين بإعدامه عدة أسابيع احتجاجا على الحكم عليه، بالإدانة ودرء الحد وعقوبته بالحبس سنتين وتغريمه بمبلغ 60 ألف أوقية (170 دولارا).
فقد اعتبر جموع أنصار الرسول أن الحكومة خضعت لإملاءات المنظمات الحقوقية الغربية المتضامنة مع الشاب الملحد الذي لم يطلق سراحه لحد الآن خوفا من غضب الشارع.
وشهدت السنة احتجاجات قيادة حزب القوى التقدمية للتغيير الذي يناضل من أجل حقوق الأقلية الزنجية في موريتانيا على استمرار وزارة الداخلية رفض الاعتراف بالحزب، الذي تعتبره الوزارة طائفيا لا يسمح القانون بتأسيسه.
واستمر الحقوقي بيرام ولد الداه زعيم مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية الناشطة في مجال محاربة الرق جولاته الدولية لعرض مطالبه بإلغاء ممارسة العبودية في موريتانيا التي تؤكد السلطات أنها لم تعد موجودة وإنما الموجود آثارها.
وواجهت الحكومة إحراجات تقرير أعده إخوان منديز مفوض الأمم المتحدة المكلف قضايا التعذيب وضمنه ملاحظات حول ممارسة التعذيب في موريتانيا.
على المستوى الدبلوماسي، استمرت حالة التوتر بين موريتانيا والمغرب حيث لم يقدم السفير المغربي المعين أوراق اعتماده رغم الموافقة الموريتانية المتأخرة، كما أدى مؤتمر صحافي عقدته في داكار منظمات حقوقية معارضة ومناوئة للنظام الموريتاني، لازدياد التوتر بين موريتانيا والسنغال.
وكان الحدث الدبلوماسي الهام هو قطع موريتانيا علاقاتها مع دولة قطر مستهل يونيو الماضي في خطوة اصطفاف مع السعودية والإمارات في خلافهما مع الدوحة.
ودلت زيارة محمد جواد ظريف وزير الشؤون الخارجية الإيراني لنواكشوط في يونيو الماضي على بقاء العلاقات الموريتانية الإيرانية على حالها.
بهذا الاحتقان والتوتر انصبغت أحداث موريتانيا خلال العام وسترث السنة المقبلة ما حملت به سابقتها من أجنة التوتر ليشكل ذلك، إن لم تجد الأزمات حلولا سريعة، تراكما خطيرا سيجعل من عام 2019 الذي هو عام الانتخابات الرئاسية المثيرة، عام الانفجار الأكبر.
تصريحات:
● «لماذا يكثر اللغط حول قضية الرق في موريتانيا أكثر من غيرها؟
الذين يطرحون القضية اليوم، إنما فعلوا ذلك لكونهم لا يحكمون البلد».
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز
راحلون:
● شهد العام الرحيل المفاجئ لأبي الديمقراطية الموريتانية الرئيس الأسبق علي ولد محمد فال الذي توفي في أقصى الصحراء إثر وعكة صحية قصيرة.
وخلف موت العقيد فال فراغا كبيرا في الساحة، وفقدت موريتانيا بغيابه جهدا سياسيا خاصا كان الكثيرون يعولون عليه، في إعادة قطار التجربة الديمقراطية إلى سكته.