
عادل الجبوري
قبل شهور قلائل كشفت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي جابارد، معلومات خطيرة عن دعم بلادها للجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة من اجل اسقاط بعض الأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وقد حددت في كلامها، دعم إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما (2008-2016) لتنظيم القاعدة الإرهابي من اجل الاطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، مع إشارات واضحة الى العمل بنفس الأسلوب والسياق في دول أخرى بالمنطقة.
ورغم ان ما كشفته جابارد في حينه ربما لم يكن جديدا وغير مسبوق، الا انه يثبت ويؤكد مرة أخرى، حجم النفاق والخداع والتضليل والتناقض في عموم السياسيات والمواقف الأميركية من مجمل الوقائع والاحداث، ناهيك عن امتداد ذلك النفاق والخداع والتضليل والتناقض الى ساحات الصراع والتنافس السياسي الداخلي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مواقع السلطة والتأثير والنفوذ.
من حيث التوقيت، تحدثت تولسي جابارد عن دعم أوباما الديمقراطي لتنظيم القاعدة بعد ان عينها دونالد ترامب الجمهوري في منصب رئاسة الاستخبارات الوطنية، وهو احد ابرز المواقع الأمنية الفيدرالية في هيكلية الإدارة الأميركية. علما انها في عهد أوباما، كانت تشغل منصب عضو في الكونجرس عن الحزب الديمقراطي، وكانت بشكل او باخر مقربة الى أوباما، واكثر من ذلك، انها ترشحت للانتخابات الرئاسية في عام 2015، الا انها خسرت في معركة التنافس داخل الحزب الديمقراطي امام جو بايدن.
وارتباطا بالتوقيت أيضا، فإن جابارد تحدثت عن دعم أوباما لتنظيم القاعدة لاسقاط الأسد، في الوقت الذي دعم ترامب جبهة النصرة، المدرجة كمنظمة إرهابية في قوائم وزارة الخارجية الأميركية، وساعدها كثيرا، حتى نجحت فيما لم ينجح به تنظيم القاعدة في عهد أوباما!.
وليست جابارد وحدها التي اماطت اللثام عن حقائق مخزية، بل سبقها في ذلك ساسة كبار، امثال وزير الخارجية الأسبق جون كيري، والسيناتور السابق ريتشارد بلاك، بل ان ترامب نفسه اتهم بشكل واضح وصريح أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون في عام 2016، بتأسيس تنظيم داعش الإرهابي، الذي عاث فسادا واجراما في كل من سوريا والعراق وبلدان أخرى.
لكن علينا هنا التنبيه الى ان ترامب الذي فضح أوباما، هو ذاته الذي اشرف على خطط أميركية لاستهداف من واجه تنظيم داعش وهزمه في العراق، فضرب مقرات الحشد الشعبي، واستهداف قياداته ورموزه، جرى الكثير منها خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب بين عامي 2016 و2020، وابسط واقرب مثال على ذلك، اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020.
ولم تقتصر عمليات استهداف الحشد الشعبي من قبل واشنطن على الجانب العسكري، بل انها امتدت الى الجوانب الإعلامية والسياسية والمالية، الهادفة بمجملها الى تفكيك هذا العنوان الكبير والمهم، اما عبر حله نهائيا او في افضل الأحوال دمج افراده في مؤسسات وزارتي الدفاع والداخلية.
وما نشهده اليوم من حملات تسقيط وشيطنة وتشويه للحشد ورموزه وقياداته من قبل وسائل اعلام، ومنصات ومنابر سياسية، محلية واجنبية، ليس سوى جزءا من خطط ومشاريع ممنهجة، لاتنفصل بأي حال من الأحوال عن خطط ومشاريع واسعة تستهدف كل قوى وتيارات محور المقاومة، في سبيل الوصول الى هدف استراتيجي يتمثل بجعل الكيان الصهيوني الطرف الأقوى والأكثر هيمنة ونفوذا في المنطقة، بعد تحييد وتحجيم اعدائه وخصومه، مثل حزب الله اللبناني، وحركات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الاسلامي، وحركة انصار الله اليمنية، والنظام الحاكم في الجمهورية إلاسلامية الإيرانية، وسوريا، وفصائل المقاومة الإسلامية العراقية.
وهنا ينبغي الإشارة الى التحذيرات التي اطلقها مؤخرا امام جمعة النجف الاشرف، السيد صدر الدين القبانجي، عن وجود مخططات تستهدف تصفية قادة الاطار التنسيقي وتشكيل ما يسمى بحكومة انقاذ وطني في العراق.
وترى دوائر القرار الأميركية والصهيونية، انها نجحت خلال العامين المنصرمين في اضعاف مختلف اطراف محور المقاومة، لتبقى مهمة انهاء وجود الحشد، مهمة مفصلية للاقتراب من الهدف المنشود، ولعل عرقلة إقرار قانونه-أي قانون الحشد-ومن ثم خلق العراقيل المالية له، تمثل محاولات إضافية لانهاء وجوده.
واذا لم تكن مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية قد تحدثت بوضوح وصراحة عن المخططات والمشاريع الأميركية الصهيونية حيال العراق، فإن اخرين من الساسة والعسكريين والاعلاميين والباحثين الاميركان والصهاينة والغربيين، لم يخفوا في تصريحات ومقالات ودراسات وبحوث لهم، حقيقة ما يجري داخل الغرف السرية وكواليس واشنطن وتل ابيب وعواصم أخرى لقلب الموازين والمعادلات في العراق بالشكل الذي يفضي الى تقليص تأثير وحضور القوى المناهضة لمشاريع التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، وربما يكون الاقتصاد بمعناه الواسع، احدى بوابات تحقيق اهداف واشنطن وتل ابيب المنشودة، وهذا ما يطرح هنا وهناك في مراكز التفكير الأميركية والغربية، التي يرى البعض-او الكثير منها-"ان التأكيد على التعاون في مجالي الطاقة والأمن يمكن أن يخدم بشكل مباشر أهداف الولايات المتحدة المتمثلة في مواجهة النفوذ الإيراني والصيني، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وتقليص المساحات غير الخاضعة للحكم التي غالباً ما تستغلها الجهات المعادية".
والولايات المتحدة الأميركية في حال استجابت للمطاليب والضغوط العراقية بإنهاء وجودها العسكري في البلاد، فإنها بلا شك ستكون قد فكرت وخططت بعمق للدخول من بوابات ومنافذ أخرى، منها بوابة الاقتصاد، وغيرها. ناهيك عن ابقائها ورقة "داعش"تحت اليد، لتحركها وتلعب بها متى ما ارادت، علما ان ساسة وقادة عسكريين اميركان، اقروا قبل أعوام، "ان التوجه العام يتمثل بتحجيم واضعاف تنظيم داعش وليس القضاء عليه نهائيا". وكلام جابارد ورفاقها وزملائها يؤكد كل ذلك.
------------------------------
*كاتب وصحافي عراقي
