ما بعد الانتخابات.. واللعبة التالية

خميس, 11/20/2025 - 16:51

 

محمد جواد الميالي

دخلت المنطقة طورا جديدا من التحول البنيوي بعد السابع من أكتوبر، بحالة يمكن توصيفها بأنها إعادة هيكلة شاملة، لموازين القوة في الشرق الأوسط.

الحدث بحدّته ورمزيته وتداعياته، شكّل صدمة دفعت القوى الإقليمية والدولية، لإعادة النظر في مستقبل الأمن والسياسة، خصوصا ما يرتبط منها بالعلاقة مع إسرائيل ومفهوم الردع، فقد بدا واضحا أن حرب غزة لم تكن مجرد ردّ عسكري، بل خطوة استراتيجية تهدف لتأسيس مرحلة سياسية جديدة، تُخضع فيها بيئة الصراع لميزان قاسٍ من الهيمنة، وتفتح الطريق أمام مشروع "شرق أوسط ما بعد الحرب" حيث تُعاد صياغة العلاقات من موقع التفوّق الإسرائيلي، ووفق منطق السلام المفروض لا المتفاوض عليه..

عندما انتقلت العمليات العسكرية إلى لبنان، اتّضحت معالم هذا المشروع بشكل أوضح، فالحرب على الجنوب لم تكن مواجهة عسكرية محدودة، بل محاولة لإعادة تشكيل البنية السكانية والسياسية لتلك المنطقة، التي تُعدّ أقرب التهديدات الجيوسياسية لأمن إسرائيل، لذلك كان الهدف يتجاوز تحجيم قدرات المقاومة.. وصولا لضرب قدرة الجنوب اللبناني على تكوين بيئة مقاومة مستقبلية، عبر خلق ضغط سكاني ونفسي، يؤدي لاحقا إلى فرض تسوية سياسية واسعة، قد تشكل سلاما معلنا أو غير معلن.

ضمن هذا السياق الإقليمي المعقد، من دول الخليج وصولا إلى بلاد الشام، كان العراق سؤالا لا يجد الخارج له جوابا سهلاً، فكيف يمكن إدخاله ضمن معادلة الشرق الأوسط الجديد، وهو البلد الذي يمتلك أكبر كتلة سكانية شيعية في المنطقة، وأثقل تأثير سياسي على مسار القوى الرافضة للتطبيع؟! كان واضحا لهم أن الخطط لن تكون عسكرية ولا مباشرة، بل ناعمة ومركّزة على الداخل العراقي نفسه، فإذا كانت الجبهات لا تُفتح بقوة السلاح، فيمكن فتحها عبر صناديق الانتخابات.. كان رهانهم الأكبر على شرعية المشاركة، أن يُصاب الشارع الشيعي بالإحباط، أن ينخفض مستوى الإقبال، أن تخسر قواه السياسية عشرة مقاعد أو أكثر، وأن يتشتت القرار داخل البرلمان، ليصبح التمثيل هشّا، فيسهل بعد ذلك دفع البلد نحو المسار الذي يُعاد فرضه على المنطقة.

لكن يبقى السؤال، كيف يمكن إدخاله في المعادلة الجديدة؟

ان اضعاف القرار السياسي الشيعي، عبر ضرب شرعية المشاركة الانتخابية، لأن المشاركة المتدنية في الانتخابات تُقرأ دوليا، بوصفها مؤشّرا على تآكل شرعية الحكم، مما يتيح فرصة لإنتاج برلمان ضعيف التمثيل، وقابلا لأن يُدار من الخارج، ويسمح بإعادة ضبط التوازنات، بما ينسجم مع المشروع الإقليمي الجديد.

لذلك شكّل المزاج الشيعي، الوسطي والجنوبي في العراق قبل انتخابات 2025، بيئة مثالية لهذه الرهانات، الإحباط الاقتصادي، تراجع الثقة، والانقسامات السياسية، كلها كانت عناصر قد تعزز من احتمالات المقاطعة، الأمر الذي تمنت الأجندات الخارجية، أن يؤدي إلى خسارة القوى الشيعية لنحو عشرة مقاعد على الأقل، ما يضعف وزنها التفاوضي داخل البرلمان، ويحدث تحولا نوعيا، في بنية النظام السياسي العراقي.

المعادلة لم تسر كما خُطط لها، لأنه وفي ذروة هذا المخطط، استطاع الإطار التنسيقي، تقدمهم عمار الحكيم بشعار (لا تضيعوها) ان يصعق قلب الوعي السياسي للشيعة.. وهذا الخطاب لم يكن لجمهور الحكمة فقط،  بل كان لتذكير البيئة الشيعية، بجدوى المشاركة وضرورتها، في سياق إقليمي لا يسمح بترف الغياب، وبفضل هذا الخطاب، وما تبعه من حراك اجتماعي وسياسي، بدأت المشاركة ترتفع تدريجيا، وعاد جزء من الجمهور إلى صناديق الاقتراع، بوصفها ساحة حماية للقرار، وليس مجرد فعل انتخابي روتيني.

مع إعلان النتائج، اتّضح أن ما كان يُبنى عليه خارجيا قد تلاشى، فلم تنخفض المشاركة، ولم تتراجع المقاعد الشيعية، ولم يتشتت القرار كما كان متوقعا، بل إن النتيجة الأهم تمثّلت في تعزيز وحدة القرار السياسي الشيعي، وإعادة تثبيت موقعه داخل بنية النظام السياسي، هذه النتائج قطعت الطريق على رهان إضعاف الداخل العراقي، لإعادة إدخاله في معادلة الشرق الأوسط الجديد عبر آليات "ناعمة".

أن نجاح الانتخابات لم يكن سوى خطوة أولى في سياق أوسع، يحتاج إلى بناء مشروع دولة، قادر على الصمود أمام الضغوط الإقليمية، وهذا يتطلب ترسيخ مسار الدولة لدى الأغلبية، وكذلك امتلاك استراتيجية واضحة، تحدد موقع العراق في الخريطة الجديدة.

رغم ان قوى الإطار التنسيقي نجحت في حماية شرعية القرار الشيعي، لكن المستقبل يطرح تحديات أصعب بكثير، كما ان ما بعد الانتخابات ليس امتدادا لها، بل فصل جديد تماما، لأن الميدان الذي تنتظر فيه القوى الإقليمية والدولية موقع العراق، لم يُحسم بعد، والشرق الأوسط الجديد الذي يُعاد رسمه، لا يزال يبحث عن أماكن للضغط، والقرار الشيعي الذي صمد اليوم،سيكون مطالب غدا أن يصمد أكثر، وأن يصنع مشروعا لا يمكن كسره، لا بالحرب، ولا بالمقاطعة، ولا حتى بالوعود اللامعة التي تُلقى من بعيد، فهل سيصمد الشيعة أم سينهار في أولى الأزمات؟!

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف