اختتمت في مدينة مراكش المغربية يوم الخميس الماضي فعاليات مؤتمر إقليمي حول بدائل العقوبات السالبة للحرية بالتشديد على ملائمة الخيارات المقررة تشريعيا في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية للسياق الاجتماعي والنظام القانوني المغربي؛ وضرورة مواكبة إعمال بدائل العقوبات السالبة للحرية بتغطية إعلامية واسعة لضمان تقبل المجتمع لها كأسلوب جديد للعقاب والإصلاح وإعادة الإدماج.
وأكدت المسئولة في وزارة العدل المغربية، آمنة أفروخي، في الكلمة الختامية للمؤتمر الذي حضره عشرات الخبراء والعاملين في قطاع القضاء والنيابة العامة من المغرب والدنمارك وعدة دول عربية وأجنبية، على أهمية توسيع الشراكات التي ينبغي أن تجمع القطاعين العام والخاص لتعزيز قدرات المؤسسات المعنية بتنفيذ مختلف البدائل سواء ما يتعلق بالعمل للمنفعة العامة أو التدابير الرقابية أو العلاجية أو التأهيلية.
وطالب المؤتمر بإحداث آليات للتنسيق بين مختلف المتدخلين على كافة المستويات وطنيا ومركزيا وجهويا ومحليا ومأسسة هذه الآليات لتكون قراراتها فاعلة في تطوير إعمال البدائل.
وقد ناقش البرلمان المغربي خلال عام 2016 تعديلات مقترحة على قانون العقوبات تسمح باستخدام بدائل للعقوبات السالبة للحرية التي لا تتجاوز مدتها عامين وتفرض مقابلها عقوبة العمل للصالح العام لا تتجاوز 600 ساعة. ومن المتوقع أن يتم إقرارها خلال العام الجاري.
مرحلة جديدة
وبدورهاعبرت المسئولة في مصلحة السجون الدنماركية، أنيته اسدورف، عن أملها بأن ينتقل المشروع لمرحلة جديدة وأردفت:" أتمنى أن نلتقي قريبا في ضوء القانون بعد المصادقة عليه في برلمانكم ودخوله حيز التنفيذ لنتدارس سويا تفعيل هذه التوصيات وتفعيل مقتضيات القانون"
وشكرت اسدورف الخبراء المغاربة والعرب على مشاركتهم القوية والغنية في ورش العمل والنقاشات خلال المؤتمر وقالت:" لقد زرت مدينة مراكش لأول مرة قبل سبع سنوات مع بداية المشروع الدنماركي المغربي في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية وأشعر اليوم أن هذه الفكرة قد تجذرت ونضجت ونشأ هناك تفهم بأن هذه التغييرات تتطلب بعض الوقت والجهد خصوصا فيما يتعلق بكيفية استخدام هذه البدائل وتاثيرها على فهم المواطنين لمبدأ العدالة ".
واستشهدت اسدورف بمقولة لمحقق دنماركي حول عملية متابعة الجريمة يقول فيها:" عند التحري والبحث في الأعمال الإجرامية يبحث المحقق عن وحش ولكنه في النهاية يجد إنسان".
وأردفت قائلة:" من الأفضل أن لا ندفع الأشخاص ليكونوا وحوش ومن المهم أن نمنحهم عقوبات بديلة عن السجن."
شكوك طبيعية
وتابعت القول:" لقد لمسنا في المؤتمر نسبة من الشكوك والقلق حول تطبيق العقوبات البديلة حول هل الإمكانيات المطلوبة لذلك متوفرة، وهذا شيء مفهوم وطبيعي، واعتقد أن التوصيات التي صدرت عن هذا المؤتمر تمهد الطريق لمرحلة لتطبيق العقوبات البديلة بطريقة جيدة."
وشددت اسدورف على إيمان الجانب الدنماركي بهذا المشروع وأهميته ، مضيفة:" نتطلع لمواصلة العمل في هذه المرحلة من الشراكة الدنماركية المغربية في هذا المجال وأود أن أؤكد مرة أخرى على فلسفتنا منذ اليوم الأول من هذه الشراكة، فالدنمارك لا تملك براعة تطبيق العقوبات البديلة، يجب أن يتح إيجاد حلول تتناسب مع المجتمع المغربي".
واختتمت المسئولة كلمتها بالقول:" أتمنى لشركائنا المغربيين التوفيق في العمل على تطبيق البدائل، فمساهمتنا ربما قد تقتصر على زرع بعض البذور حتى يجني المغاربة الثمار التي تناسبهم".
واستمرت فعاليات مؤتمر "بدائل العقوبات السالبة للحرية" على مدار ثلاثة أيام في مدينة مراكش المغربية وتأتي كجزء من مشروع دنماركي مغربي انطلق في عام 2010 بدعم من برنامج الشراكة الدنماركية العربية ،وساهم في تنظيم عشرات الفعاليات في المغرب والدنمارك بهدف تعزيز مفهوم بدائل العقوبات السالبة للحرية في صفوف العاملين في مجال القضاء والوكلاء العامين والأخصاء الاجتماعيين.
التوصيات
وخرج المؤتمر بالعديد من التوصيات الهامة أبرزها: الحرص على ملائمة الخيارات المقررة تشريعيا في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية للسياق الاجتماعي والنظام القانوني المغربي؛ وضرورة مواكبة إعمال بدائل العقوبات السالبة للحرية بتغطية إعلامية واسعة لضمان تقبل المجتمع لها كأسلوب جديد للعقاب والإصلاح وإعادة الإدماج؛ ومواكبة إعمال البدائل بإنجاز العديد من الدراسات الميدانية من أجل تقييم وتتبع مدى الرضى الاجتماعي عن البدائل ومدى نجاعة هذه الأخيرة في الحد من الجريمة وفي إصلاح وإدماج المحكوم عليه؛ ضرورة توفير قاعدة بيانات مشتركة بين كافة المتدخلين تسمح بتقييم نجاعة البدائل المختارة بالنسبة للمحكوم عليهم وتحديد الإكراهات أو الصعوبات التي قد تعترضها أو تحد من فعاليتها.
كما أوصى المؤتمرون بتكثيف برامج تعزيز القدرات والتكوين وتبادل الخبرات على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، بالنسبة لكل الفاعلين في إعمال وتتبع البدائل لضمان نجاحها؛ وضرورة وضع قواعد معيارية لتتبع إعمال العقوبات البديلة لضمان فعاليتها ونجاعتها لاسيما فيما يتعلق بالأبحاث الاجتماعية لاختيار البدائل الملائمة والتقارير المنجزة بخصوص تطور وضعية المحكوم عليهم المستفيدين من البدائل والتي يجب أن تكون مشفوعة بالمقترحات المفيدة ؛ وتشجيع دور الجماعات المحلية في تطوير التخصصات المتعلقة بالتأهيل الاجتماعي من أجل تيسير تنفيذ العقوبات البديلة خاصة التدابير الرقابية والعلاجية والتأهيلية ولاسيما بالنسبة للأحداث أيضا.
ضمان عدم التمييز
وشدد التوصيات على ضرورة الحرص على ضمان عدم التمييز بين المواطنين والأجانب في ظروف تنفيذهم للبدائل؛ وتجنب استعمال أي إشارة تدل على أن المحكوم عليه ينفذ عقوبة بديلة لعدم تكريس أي تمييز ضدهم وأي وصم يمكن أن يلحقه؛ وبحث إمكانية إشراك المؤسسات الخاصة المؤهلة في تفعيل عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة وعدم الاقتصار على المؤسسات العامة؛ وجعل عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة ما أمكن من نفس جنس الأضرار التي تسبب فيها المحكوم عليه؛ ومراعاة المهارات والخبرات التي تكون لدى المحكوم عليه لتوظيفها في العمل لأجل المنفعة العامة ؛ وجعل العمل لأجل المنفعة العامة تحت إشراف قاضي تطبيق العقوبة مع تشجيع دور المساعدة الاجتماعية إضافة إلى مندوب الحرية المحروسة تحت إشراف قاضي الأحداث.
يذكر أن فعاليات المؤتمر انطلقت يوم الثلاثاء الماضي بحضور الوكيل العام للملك لدى محمكة الاستئناف في مدينة مراكش، الحبيب بندحمان أبو زيد، الذي أكد على أن المغرب تعتبر مكافحة الجريمة من أهم أولويات الدولة من أجل حماية الأشخاص والممتلكات والحقوق والحريات ولتحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع.
تحديات التطبيق
وأشار أبو زيد خلال كلمته إلى التحديات التي تواجه تطبيق العقوبات السالبة للحرية عندما يتعلق الأمر بالأطفال وبنجاعتها في تقييم السلوك المنحرف، لاسيما أن ميزانية تشغيل السجون أصبحت تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني المغربي، محذرا من أن بعضها أضحى فضاءًا لتعلم كل أنواع الجرائم ومدرسة للتخرج بمستوى عال في الإجرام.
ولفت الوكيل العام النظر إلى النتائج السلبية الناجمة عن العقوبات السالبة للحرية على نسيج الأسرة وما تخلفه من أعباء مادية وتربوية واجتماعية، إلى جانب صعوبة أن تستمر السجون في استيعاب هذا الكم المتزايد من الموقفين والسجناء.
تعميق الفكر والحوار
وأضاف أبو زيد:" ننظم هذا المؤتمر مع شركائنا في الدنمارك ونتوخى منه تعميق التفكير والحوار حول أنجع السبل لإعمال بدائل العقوبات السالبة للحريات في بلادنا وتبادل التجارب مع الدول للاستفادة من الخبرات وأجود المماراسات في هذا الإطار."
وأردف قائلاً: "كما نستشرف اليوم آفاقا أوسع للتعاون والتنسيق على المستوى الوطني لاسيما مع شركائنا المعنيين بشكل مباشر في تفعيل خيار بدائل العقوبات وضمان نجاعته في الحد من الجريمة وتحقيق الادماج الايجابي في المجتمع".
ومن الجدير بالذكر أن برنامج الشراكة الدنماركية العربية يهدف إلى تعزيز الشراكات المهنية بين الدنمارك وعدة دول عربية في مجالات تتعلق بدعم الحريات ودولة القانون وحقوق الإنسان وخلق فرص عمل للشباب وتدعيم حرية الإعلام. وينشط في فعاليات البرنامج عشرات المؤسسات الدنماركية والعربية.
للمزيد من الصور إضغط هنا