جميع المجتمعات تعتمد على بناء الأفراد، والأفراد يتكون بنائهم وتربيتهم من ثلاث ركائز رئيسية (الأسرة والمدرسة والعالم الخارجي) ،يذكر الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو إختلاف التربية ومدى تأثير الآباء والمعلمين
والمجتمع على الفرد، وهنا نتجه نحو دراسة وتحليل هذه الركائز في مجتمعنا العراقي، نبدأ من الأسرة التي يمثل فيها الأب السلطة التشريعية والتنفيذية مع دور نسبي للأم في السلطة بشكل عام، الطفل الذي يشكل أحد عناصر الأسرة يتلقى التربية والتعرف على الموجودات ويحتكم للقوانين التي يفرضها الأبوين،في مجتمعنا تختلف التربية عن المجتمعات الغربية بشكل كبير، فيكون الطفل قد إكتسب وتعلم المفاهيم والقيم نظريا،من خلال مايمليه عليه الأب أو الأم وبما يناسبهما فقط،فمثلا عندما يكبر هذا الصغير قليلا يخرج للشارع مع أقرانه لاتوجد عين تراقبهم وتهذب أولئك الأطفال لأنهم رهينة جهلهم وصغرهم الذي يغيب عنه العقل والإدراك وطبيعة الإنسان منذ أن يولد يميل إلى التملك وإلى إشباع ذاته قبل الآخرين ،ثم تهذب هذه الغرائز من خلال الدين والضوابط الأخلاقية والإنسانية لتجعله إنسانا صالحا،تغيب الرقابة عن الأطفال بمجرد أن ينشغل الأب بعمله والام في عمل المنزل وتتحول تصرفاتهم حتى أثناء اللهو واللعب إلى صراع للتملك والسيطرة وفرض الذات (قانون الغابة )،دور الأب هو(العقاب أو المكافئة) عند الخطأ يأخذ الأب دور السلطة القضائية ويعالج القضية بالضرب أو بالمنع عن أحد حقوق الطفولة وذلك بإعتبارها طريقة سائدة قد تربى عليها الأب نفسه،دون الرجوع إلى أصل الخطأ أو إعطاء القليل من الاهتمام لمعالجة الخطأ جذريا،فالعقاب على الخطأ ليس حلا إنما تخلص من مسؤولية الفعل فالأب هنا يقاضي طفل يتصرف بما تأمره غرائزه، وبعد العقاب ينشأ أمرين، أحدهما أن الطفل لم يفهم أبعاد وأضرار خطأه إنما أخذ جزاء ذلك الخطأ فقط وذلك يجعله يعاود إلى الخطأ،الأمر الثاني بعد الضرب أو المنع يتولد عند الطفل حالة الإنتقام ولايكون الإنتقام من الأب أو الأم لأنه من جانب يحب أبويه ويحترمهم ومن جانب آخر هو لازال أضعف بكثير منهم، لذلك ينصب الحقد والإنتقام إتجاه أقرانه في الشارع والمدرسة،وفي حال كان ضعيف البنية بهذا المجتمع الذي يعتمد على القوة الجسدية يدخل في طور الخضوع وقد يدفعه ذلك الضعف إلى تفادي إهانة الآخرين من خلال الكذب والتملق والتودد إلى الأقوى ،نأتي إلى المدرسة والتي يكون فيها المعلم هو الأب الثاني والسلطة الثانية ،يكون التعامل مع التلميذ (الطفل)في صورتين تعامل إيجابي في حال كان التلميذ مجتهدا ومحافظا على الضوابط المدرسية أو تعامل سلبي في ما إذا كان التلميذ مقصرا في واجباته الدراسية والضوابط المفروضة،وهنا نلاحظ غياب جذري للتربية والتنشأة الصحيحة، فالتلميذ المجتهد قد تكون ظروفه الخاصة ملائمة للاجتهاد ومعاملة والديه حسنة معه،و المقصر كذلك قد تكون حياته الخاصة قاسية أو تغيب عنها الرعاية والإهتمام من الأبوين،لكن المعلم لايعالج العلل من أصولها ويعود للمسببات قبل النتيجة إنما يقاضي بالجزاء على الفعل فقط،كما ينظر للتلميذ على حسب مظهره الحسن أو السيء و نلاحظ في مجتمعنا يقول المعلم على الطالب المنظم حسن الخلق والخلقة (هذا إبن ناس)أما من لايملك مظهرا جيدا وشكله غير مقبول يقال عنه (هذا إبن شارع)،عند ارتكاب أحد التلاميذ خطأ يأخذ المعلم دور القاضي ويعالج الخطأ بالضرب أو بإهانة التلميذ أمام زملائه وهذا يعتبر من ضروريات التربية والتعليم في الاعتقاد السائر وهنا ينشأ أمرين أيضا،الأول إن التلميذ المجتهد أو حسن الخلقة والمظهر يبدأ يرى بأنه أعلى منزلة من الآخرين وذلك بفضل المعلم الذي يثني عليه ويحتقر المقصرين ويحاول الحفاظ على مركزه المتفوق فيبتعد عن من هم أقل قدرا منه ويفكر بنفسه فقط لاإراديا،وأما المقصر أوالفقير أوصاحب الشكل غير المقبول الذي لايلقى إهتماما وإحتراما من المربي الثاني (المعلم )يبدأ بالبحث عن الاحترام والاهتمام إما بالتقرب والتودد والتملق للمجتهد وحسن المظهر أو بالتملق والإذلال للمعلم لينول به قسطا من الاحترام وهناك من لايقبل الرضوخ فينفس عن عقده بالقوة والقسوة مع الآخرين،وهذا كله بفضل المربي(المعلم) الذي لم يعالج ويحل المشاكل ولكنه قد أضاف على ذلك توطيد الطبقية والفوارق الشكليةالمادية داخلهم بصورة غير مباشرة،الركيزة الثالثة العالم الخارجي (المجتمع)،فالمجتمع يحتكم للقوة والمال والنسب وهنا نلاحظ بصورة مباشرة الطبقية المادية التي لاتعتمد على العقل والذكاء والخلق والتحلي بالتقوى لأنه حتى رجل الدين( الذي يعتبر قدوة في مجتمعنا الاسلامي) يعامل صاحب المال وصاحب السلطة والنسب الحسن بقدر عالي من الإحترام وليس إحتراما مبني على أساس الأخلاق والإنسانية، الفقير الذي لايملك النسب الحسن أو السلطة أمام أمرين،الأول التملق والرضوخ لصاحب الجاه والوجاهة لينال الإحترام بقربه منه ،الثاني لاتطاوعه نفسه ليذلها كي يكسب الاحترام من الطبقات العليا فيقبع في ذيل الترتيب الاجتماعي أو قد يتحول إلى مشروع للإجرام لتعويض نقوصاته
(علي علاء الدين عيسى الفاضلي )